##plugins.themes.bootstrap3.article.main##

عبد الحكيم محمد ثابت العراشي

Abstract

تـوطـئـة:

يعد الوقف الخيري مظهراً من مظاهر التكافل الاجتماعي في الإسلام، حيث أن مصارف الوقف نهضت بالأمة الإسلامية على طول الديار الإسلامية وعرضها، فقد أخذت الأوقاف على عاتقها تلبية احتياجات الأمة المختلفة، حيث استوعبت مجالات العلم والتعليم، وأوجدت الرعاية الصحية، واهتمت بنظام الرعاية الاجتماعية، وكل ذلك يتم من الموقف برغبة خالصة ابتغاء مرضات الله، لذا نجحت الأوقاف نجاحاً باهراً في تأدية دورها نحو الأمة، بل صارت سمة بارزة من سمات الحضارة الإسلامية، ورسالة من رسائلها الإنسانية والنبيلة.

لقد تركت الحضارة الإسلامية لنا تاريخاً وقفياً اقتصادياً مليئاً بالأفكار والنظريات الاقتصادية، وبالرغم من بساطتها إلا إنها أوجدت حلولاً عملية وواقعية لمشكلات الأمة الاقتصادية والاجتماعية، وهو بخلاف التاريخ الاقتصادي الحديث، بالرغم تطور نظمه وتعدد نظرياته، إلا أنه لم يقدم ما يعوّل عليه من حلول عملية لحل مشكلات المجتمعات الاقتصادية والاجتماعية، ومع بساطة نظام الوقف لكنه أوجد حلول لمشكلات الأمة الاقتصادية والاجتماعية، أي الاهتمام بحاجات المجتمعات الأساسية والضرورية، ومد يد العون للشرائح الاجتماعية المغلوب على أمرها، بغض النظر عن بساطة الأفكار.

ولما كانت الأوقاف على هذا النحو المؤثر في حياة الأمة وجهت الدول والمنظمات الأنظار شطرها مرة أخرى بعد أن أهمل لمدة من الزمن ليس بالقصيرة، حيث استنهضت الهمم، وشمرت السواعد لاستعادة دور الوقف، وما تتابع عقد الندوات عن الوقف إلا دليل على عودة الأمة إلى أصول وجذور هذا المنهج القويم.

ومن هذا المنطلق فإن هذا البحث تناول تجربة تاريخية عن نظام الإدارة الوقفية في الإسلام، وهي التجربة التاريخية لنظام الإدارة الوقفية لدولة بني رسول في اليمن، وما هي إلا أنموذج لتجارب نظام الإدارة الوقفية الإسلامية.

وإذا كانت هذه الدراسة هي تسليط الضوء على تجربة تاريخية لماضٍ ولَّى وذهب، لكننا بحاجة لدراستها؛ لأن دراسة الماضي يستفاد منها في معالجة مشاكل الحاضر؛ ولأن أحداث الحاضر وثيقة الصلة بالماضي، ولن يتيسر لنا معرفة ما نحن عليه اليوم إلا بمعرفة جذورنا التاريخية فنتخذ منها عبرة وعظة(1).

والهدف من دراسة الماضي هو خدمة المستقبل، وليس لإضعاف الحاضر، كما لا تعني دراسة الماضي العودة إلى القديم، واجترار الماضي والفخر بالآثار والاعتزاز بها، وكأن الماضي يحتوي على قيمة في ذاته، وإن العودة إليه قيمة في ذاتها، وليس وسيلة لتحقيق الجذور واكتشاف معوقات الحاضر، ولكن الهدف هو التجانس والتواصل في حياة الشعوب، وعلى أن يكون الحاضر استمرار للماضي، والمستقبل استمرار للحاضر، والعمل على أن تتحقق المعاصرة في سهولة ويسر، وفي زمن أقل ورسوخ أكثر ورؤية واعية(2).

على كل حال؛ إن التجربة الوقفية في اليمن في عصر دولة بني رسول تجربة ناجحة تستحق الدراسة والاستفادة منها، فقد شكل الوقف رافداً من الروافد التي تساعد على التكافل الاجتماعي، فهذا يوقف أرضاً يكون ريعها لطلاب العلم في المسجد، وآخر يوقف حانوتاً يكون ريعه على المنقطعين، وآخر يوقف داره على عمل من أعمال الخير أو يحوله إلى مدرسة، وغيره يُوقف كتباً على مكتبة مسجد ما، وغيره يُوقف بستاناً على إنارة للمسجد، أو جلب الماء، أو إصلاح طرق، أو لشراء مفروشات، أو رعاية أيتام، وقد تصرف في الجوانب العلمية، مثل صرف رواتب المعلمين، ومكافآت للطلاب، وبعبارة أخرى إن الوقف شمل معظم مناحي الحياة.

وتكمن أهمية البحث في كونه يكشف عن تجربة تاريخية من تجارب الحضارة الإسلامية لنظام المصروفات، فهو يبين مدى الدقة والحرص في نظام الصرف المالي، كما يكشف عن الغاية السامية من وراء التوزيع الدقيق للمصروفات المالية، حيث إن الغاية هي توسعة دائرة المستفيدين من الصرف المالي هذا من جهة، وضمان استمرارية الوقف في أداء دوره الإنساني من جهة أخرى.

عغومن هذا المنطلق أحاول في هذا البحث تناول شيءٌ من خصائص نظام المصروفات الوقفي، من حيث تنظيماته الإدارية والمصرفية والعوامل المؤثرة فيه، وأخيراً إمكانية الاستفادة من هذه التجربة.

الهوامش:

(1) عسيري: محمد بن مسفر، الحياة السياسية ومظاهر الحضارة في اليمن في العصر الأيوبي (569 – 626هـ)، دار المدني، جدة، (د.ط)، 1985م، ص6.

(2) فاروق أحمد حيدر، التعليم في اليمن في عهد دولة بني رسول خلال القرنين السابع والثامن الهجريين، دار جامعة صنعاء، صنعاء، (د.ط)، 1425هـ/2004م، ص8.

Downloads

Download data is not yet available.

##plugins.themes.bootstrap3.article.details##

Section
تاريخ
How to Cite
العراشي ع. ا. م. ث. (2014). التجربة التاريخية لنظام الإدارة الوقفية في اليمن في عـصر الـدولة الـرسولـية (626-858هـ/1228-1454م) من وحي الوقفيات الغسانية. Journal of Social Studies, 20(3). https://doi.org/10.20428/jss.v20i3.702