الدلالة الإيحائية لصفة الصوت في النص القرآني
##plugins.themes.bootstrap3.article.main##
Abstract
مقدمـــة:
الصوت اللغوي في حياة العرب ليس جديدا ، فعلم الصوتيات علم سبق إليه علماء العربية ، ثم تناوله الغرب بالنقد والتمحيص في ضوء أجهزة العلم المتطورة ، وكان حصيلة هذا السبق وهذا التناول مزيدا من الدراسات المنهجية المتقدمة التي ما زال للبحث فيها – على ما أعتقد – فضل استزادة وريادة ، وللباحث فيها موطن تشبث واستقراء .
لكن هذا الدرس الصوتي الذي ليس بالجديد ، هو في القرآن الكريم – فيما أزعم – يوحي بالجدة والطرافة والحداثة ، وإن كان تطبيق البحث الصوتي قرآنيا فيه من الصعوبة والمعاناة ما فيه ، والتماس النظريات الصوتية في رحاب القرآن الكريم مما يحتاج إلى الصبر والأناة .
ومع أن استكناه دقائق هذا العلم الجليل مما يدعو إلى الترصد والتصدي والاستنتاج ، إلا أن إخضاع هذه الدقائق والموازين الصوتية لمحكم آيات القرآن لا يتأتى بيسر وسماح ، فليس السبيل معبدا ، ولا المعالم من الوضوح بحيث تستوعب استيعاب المسلمات البدهية ، فقد يتخلل هذا وذاك العقبات ، وقد تعيقه قلة المصادر والموارد ، فيبقى الفكر متكلا على عبقريته في التأمل ، والبحث معتمدا على سجيته في الاستنباط ، والباحث بينهما قد يخطئ ويصيب ، والأسنة من حوله مشرعة ، فهو بإزاء مواجهة صعبة وخيارات أهونها ذو عسرة وشدة متصلتين ، حتى ليضيق – أحيانا – بالحديث حذر المتاهات ، وتجاوز صلب الموضوع .
ومهما يكن من أمر ما قدمنا ، فإن هذا البحث يأتي ليضرب بسهم في بيان الإعجاز الصوتي لهذا القرآن المعجز ، والمساهمة في إبراز جوانب من خصائص الصوت القرآني ؛ منطلقا من قاعدة مفادها أن الصوت القرآني وجرسه قد كان له الدور الكبير في سحر الألباب ، وإلى هذا يشير سيد قطب – رحمه الله – بقوله : ( بعض الباحثين في مزايا القرآن ينظر إلى القرآن جملة ثم يجيب ، وبعضهم يذكر غير النسق الفني للقرآن أسبابا أخرى يستمدها من موضوعاته بعد أن صار مكتملا ؛ من تشريع دقيق صالح لكل زمان ومكان ، ومن إخبار عن الغيب يتحقق بعد أعوام ، ومن علوم كونية في خلق الكون والإنسان ، ولكن البحث على هذا النحو إنما يثبت المزية للقرآن مكتملا . فما القول في السور القلائل التي لا تشريع فيها ولا غيب ولا علوم ولا تجمع بطبيعة الحال كل المزايا المتفرقة في القرآن ؟ إن هذه السور القلائل قد سحر العرب بها منذ اللحظة الأولى ، وفي وقت لم يكن التشريع المحكم ، ولا الأغراض الكبرى هي التي تسترعي إحساسهم ، وتستحق منهم الإعجاب ) ([1] ).
إن العنصر الذي يسحر المستمع لهذا القرآن ، ويستحوذ عليه هو ذلك النظام الصوتي الذي هو أول ما تحسه الأذن ، وهذا هو ما وصفه دراز بقوله : ( إن أول ما تحسه الأذن في هذه الآيات هو ذلك النظام الصوتي البديع الذي قسمت فيه الحركة والسكون تقسيما منوعا يجدد نشاط السامع لسماعه ، ووزعت في تضاعيفه حروف المد والغنة توزيعا بالقسط ، يساعد على ترجيع الصوت به وتهادي النفس فيه آناً بعد آن ) ([2] ) .
هذا النظام الصوتي هو ما سماه سيد قطب بالموسيقى الداخلية، حيث يقول: ( إن هناك نوعاً من الموسيقى الداخلية يلحظ ولا يشرح ، وهو كامن في نسيج اللفظة المفردة ، وتركيب الجملة الواحدة ، وهو يدرك بحاسة خفية وهبة لدنية ) ([3] ).
إذا فالصوت القرآني استطاع خلق جو من الانبهار لدى مستمعيه ، وذلك من خلال نغماته المختلفة ودرجاته المتباينة التي تظهر تبعا لاختلاف مخارج هذه الأصوات وصفاتها من حيث الوضوح والشدة والسرعة والاستعلاء وغير ذلك من الصفات والخصائص التي يتميز بها الصوت .
هذه الخصائص هي التي تتمايز بواسطتها الأصوات ، ويتعلق بها نوع من المعاني تسمى المعاني الطبيعية التي لا توصف آثارها بأنها عرفية ولا ذهنية ، لأنها في الواقع – كما يقول تمام حسان – مؤشرات سمعية انطباعية ذات وقع على الوجدان – تدركها المعرفة ولا تحيط بها الصفة – فمثل تأثيرها في وجدان السامع مثل النغمة الموسيقية تطرب لها ثم لا تستطيع أن تقول لم طربت ([4] ).
وسنحاول في هذا البحث التعرض بشيء من الحذر لطبيعة العلاقة بين صفات الصوت اللغوي في القرآن والمعنى العام للآية أو النص القرآني الذي تعرضنا للنظر فيه ، وقد سرت في ذلك مستأنسا بأقوال علماء أجلاء طرقوه على مستوى الكلمة المفردة ، فأعملنا القياس وطرقناه على مستوى الجملة والعبارة ، وإن يك في ذلك بعض غموض فلنا بقول ابن جني اقتداء ، حيث يقول : ( إلا أن هذه أغمض من تلك ، غير أنها وإن كانت كذلك فإنها منقولة عنها ، ومعقودة عليها ، ومن وجد مقالاً قال به وإن لم يسبق إليه غيره ، فكيف به إذا تبع العلماء فيه ، وتلاهم على تمثيل معانيه ) ([5]).
إلا أننا قبل أن نقول مقالنا نورد تعريفاً مختصراً لصفات الحروف ، فمن المعلوم بداهة في العربية أن لكل حرف من حروف الهجاء صفات خاصة تميزه عن غيره من الحروف .
[1]) قطب : سيد - التصوير الفني في القرآن – ط 2 – دار المعارف – القاهرة – 1949 م - ص 23 .
[2]) دراز : محمد عبدالله - النبأ العظيم – ط1 – دار القلم – الكويت – د . ت . ط - ص 56 .
[3] - التصوير الفني ص 25 .
[4] - حسان : تمام - البيان في روائع القرآن – ط 1 - عالم الكتب – القاهرة – 1993 م - ص 43 .
[5] - ابن جني : أبو الفتح عثمان - الخصائص – ت محمد النجار- ط1 – المكتبة العلمية – القاهرة – 1952 م - ج2 – ص123 .
Downloads
##plugins.themes.bootstrap3.article.details##
JSS publishes Open Access articles under the Creative Commons Attribution (CC BY) license. If author(s) submit their article for consideration by JSS, they agree to have the CC BY license applied to their work, which means that it may be reused in any form provided that the author (s) and the journal are properly cited. Under this license, author(s) also preserve the right of reusing the content of their article provided that they cite the JSS.