##plugins.themes.bootstrap3.article.main##

نجيب علي عبدالله السودي

Abstract

مقدمـــة:

الصوت اللغوي في حياة العرب ليس جديدا ، فعلم الصوتيات علم سبق إليه علماء العربية ، ثم تناوله الغرب بالنقد والتمحيص في ضوء أجهزة العلم المتطورة  ، وكان حصيلة هذا السبق وهذا التناول مزيدا من الدراسات المنهجية المتقدمة التي ما زال للبحث فيها – على ما أعتقد – فضل استزادة وريادة ، وللباحث فيها موطن تشبث واستقراء .

لكن هذا الدرس الصوتي الذي ليس بالجديد ، هو في القرآن الكريم – فيما أزعم – يوحي بالجدة والطرافة والحداثة ، وإن كان تطبيق البحث الصوتي قرآنيا فيه من الصعوبة والمعاناة ما فيه ، والتماس النظريات الصوتية في رحاب القرآن الكريم مما يحتاج إلى الصبر والأناة .

 ومع أن استكناه دقائق هذا العلم الجليل مما يدعو إلى الترصد والتصدي والاستنتاج ، إلا أن إخضاع هذه الدقائق والموازين الصوتية لمحكم آيات القرآن لا يتأتى بيسر وسماح ، فليس السبيل معبدا ، ولا المعالم من الوضوح بحيث تستوعب استيعاب المسلمات البدهية ، فقد يتخلل هذا وذاك العقبات ، وقد تعيقه قلة المصادر والموارد ، فيبقى الفكر متكلا على عبقريته في التأمل ، والبحث معتمدا على سجيته في الاستنباط ، والباحث بينهما قد يخطئ ويصيب ، والأسنة من حوله مشرعة ، فهو بإزاء مواجهة صعبة وخيارات أهونها ذو عسرة وشدة متصلتين ، حتى ليضيق – أحيانا – بالحديث حذر المتاهات ، وتجاوز صلب الموضوع .

ومهما يكن من أمر ما قدمنا ، فإن هذا البحث يأتي ليضرب بسهم في بيان الإعجاز الصوتي لهذا القرآن المعجز ، والمساهمة في إبراز جوانب من خصائص الصوت القرآني ؛ منطلقا من قاعدة مفادها أن الصوت القرآني وجرسه قد كان له الدور الكبير في سحر الألباب ، وإلى هذا يشير سيد قطب – رحمه الله – بقوله : ( بعض الباحثين في مزايا القرآن ينظر إلى القرآن جملة ثم يجيب ، وبعضهم يذكر غير النسق الفني للقرآن أسبابا أخرى يستمدها من موضوعاته بعد أن صار مكتملا ؛ من تشريع دقيق صالح لكل زمان ومكان ، ومن إخبار عن الغيب يتحقق بعد أعوام ، ومن علوم كونية في خلق الكون والإنسان ، ولكن البحث على هذا النحو إنما يثبت المزية للقرآن مكتملا . فما القول في السور القلائل التي لا تشريع فيها ولا غيب ولا علوم ولا تجمع بطبيعة الحال كل المزايا المتفرقة في القرآن ؟ إن هذه السور القلائل قد سحر العرب بها منذ اللحظة الأولى ، وفي وقت لم يكن التشريع المحكم ، ولا الأغراض الكبرى هي التي تسترعي إحساسهم ، وتستحق منهم الإعجاب ) ([1] ).

إن العنصر الذي يسحر المستمع لهذا القرآن ، ويستحوذ عليه هو ذلك النظام الصوتي الذي هو أول ما تحسه الأذن ، وهذا هو ما وصفه دراز بقوله : ( إن أول ما تحسه الأذن في هذه الآيات هو ذلك النظام الصوتي البديع الذي قسمت فيه الحركة والسكون تقسيما منوعا يجدد نشاط السامع لسماعه ، ووزعت في تضاعيفه حروف المد والغنة توزيعا بالقسط ، يساعد على ترجيع الصوت به وتهادي النفس فيه آناً بعد آن ) ([2] ) .

هذا النظام الصوتي هو ما سماه سيد قطب بالموسيقى الداخلية، حيث يقول: ( إن هناك نوعاً من الموسيقى الداخلية يلحظ ولا يشرح ، وهو كامن في نسيج اللفظة المفردة ، وتركيب الجملة الواحدة ، وهو يدرك بحاسة خفية وهبة لدنية ) ([3] ).

إذا فالصوت القرآني استطاع خلق جو من الانبهار لدى مستمعيه ، وذلك من خلال نغماته المختلفة ودرجاته المتباينة التي تظهر تبعا لاختلاف مخارج هذه الأصوات وصفاتها من حيث الوضوح والشدة والسرعة والاستعلاء وغير ذلك من الصفات والخصائص التي يتميز بها الصوت .

هذه الخصائص هي التي تتمايز بواسطتها الأصوات ، ويتعلق بها نوع من المعاني تسمى المعاني الطبيعية التي لا توصف آثارها بأنها عرفية ولا ذهنية ، لأنها في الواقع – كما يقول تمام حسان – مؤشرات سمعية انطباعية ذات وقع على الوجدان – تدركها المعرفة ولا تحيط بها الصفة – فمثل تأثيرها في وجدان السامع مثل النغمة الموسيقية تطرب لها ثم لا تستطيع أن تقول لم طربت ([4] ).

وسنحاول في هذا البحث التعرض بشيء من الحذر لطبيعة العلاقة بين صفات الصوت اللغوي في القرآن والمعنى العام للآية أو النص القرآني الذي تعرضنا للنظر فيه ، وقد سرت في ذلك مستأنسا بأقوال علماء أجلاء طرقوه على مستوى الكلمة المفردة ، فأعملنا القياس وطرقناه على مستوى الجملة والعبارة ، وإن يك في ذلك بعض غموض فلنا بقول ابن جني اقتداء ، حيث يقول : ( إلا أن هذه أغمض من تلك ، غير أنها وإن كانت كذلك فإنها منقولة عنها ، ومعقودة عليها ، ومن وجد مقالاً قال به وإن لم يسبق إليه غيره ، فكيف به إذا تبع  العلماء فيه ، وتلاهم على تمثيل معانيه ) ([5]).

إلا أننا قبل أن نقول مقالنا نورد  تعريفاً مختصراً لصفات الحروف ، فمن المعلوم بداهة في العربية أن لكل حرف من حروف الهجاء صفات خاصة تميزه عن غيره من الحروف .


[1])  قطب : سيد - التصوير الفني في القرآن –  ط 2 – دار المعارف – القاهرة – 1949 م - ص 23 .

[2])  دراز : محمد عبدالله - النبأ العظيم – ط1 – دار القلم – الكويت – د . ت . ط -  ص 56 .

[3] - التصوير الفني ص 25 .

[4] - حسان : تمام - البيان في روائع القرآن –  ط 1 -  عالم الكتب – القاهرة – 1993 م -  ص 43 .

[5] - ابن جني : أبو الفتح عثمان - الخصائص – ت محمد النجار- ط1 – المكتبة العلمية – القاهرة – 1952 م - ج2 – ص123 .

Downloads

Download data is not yet available.

##plugins.themes.bootstrap3.article.details##

Section
علوم قرآن