##plugins.themes.bootstrap3.article.main##

مصطفى كرامة الله مخدوم

Abstract

مقدمـــة:

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, وآله وصحبه أجمعين وبعد:

فإن علم أصول الفقه من أهم العلوم التي يحتاجها العالم والمتعلم، والفقيه والمتفقه, لكونه الطريق إلى تحصيل الملكة الفقهية, وتحقيق درجة الاجتهاد ، والقيام بمسؤولية الإفتاء الذي لا يجوز شرعا أن يتصدى له كل أحد.

قال الإمام الشافعي ت 204هـ "ولا يقيس إلا من جمع الآلة التي له القياسبها")1(.

وقال أبو المعالي الجويني ت 478هـ: " أجمعوا أنه لا يحل لكل من شدا )2( شيئاً من العلم أن يفتي, وإنما يحل له الفتوى)3( ، ويحل للغير قبول قوله في الفتوى إذا استجمع أوصافا منها : أن يكون عالما بطرق الأدلة, ووجوهها التي منها تدل, والفرق بين عقليها وسمعيها، ويكون عالما بقضايا الخطاب, ما يحتمل منه ومالا يحتمل, ووجوه الاحتمال والخصوص والعموم والمجمل والمفسر والصريح والفحوى)4(.

 

والجملة الجامعة لما شرطه القاضي)1( في هذا القبيل أن يكون عالما بأصول الفقه")2(.

وقال أيضا : " الوجه لكل متصد للإقلال)3( بأعباء الشريعة أن يجعل الإحاطة بالأصول شوقه الآكد ..")4( .

 وقال أبو المظفر السمعاني ت 489هـ : " من لم يعرف أصول معاني الفقه لم ينج من مواقع التقليد، وعُد من جملة العوام" )5(.

و قال أبو الخطاب الكلوذاني ت 510هـ :" من شروط المجتهد في الأحكام الشرعية : أن يكون عالما بطرق الاجتهاد، وهو أن يعرف الأدلة الشرعية وكيفية الاستدلال بها")6(.

وقال الصفي الهندي ت 715هـ: "واعلم أن الإنسان كلما كان أكمل في معرفة أصول الفقه كان منصبه أتم وأعلى في الاجتهاد" )7(.

وتتجلى أهمية هذا العلم في ثمراته اليانعة وآثاره المباركة، ومنها:

1-  تحصيل ملكة الاجتهاد وهي القدرة الذهنية الفائقة التي يمكن من خلالها استنباط الأحكام الفقهية من مواردها وأدلتها.

2-  الاطلاع على مدارك العلماء المجتهدين ومناهج الاستدلال لديهم .

3- معرفة أسباب الخلاف بين الفقهاء ، وإدراك أن الخلاف الفقهي له أسبابه العلمية المعتبرة التي من شأنها أن تجعل الخلاف أمرا مقبولا تتسع له صدورنا.

4-  إدراك كمال الشريعة وشمولها لجميع التصرفات الإنسانية، مما يجعل الأمة غنية عن تحكيم القوانين الوضعية والاعتماد عليها.

لقد كان من مناهج العلماء قديماً في تحصيل العلم والمعرفة الاعتمادُ على الحفظ، والضبط للمسائل عن ظهر قلب، مع التسليم بأهمية الفهم والتحليل الفكري للقضايا لما له من دور كبير في إنتاج العقلية الفقهية القادرة على الاجتهاد والترجيح والاستنباط، ولكن ذلك لا يلغي أهمية الحفظ للنصوص والقواعد في تكوين الشخصية العلمية، ولذا صنف العلماء المتون والمختصرات إذ الكلام يختصر ليحفظ، ويبسط ليفهم .

وزيادة على ذلك نظموا المتون على طريقة الشعر - وهو الكلام الموزون المقفى – ترغيباً للمتفقهة في الحفظ لأن الشعر أسهل في الحفظ ،وأبقى للمحفوظ في الذهن، وأسهل للاستحضار واستدعاء المسائل في الذاكرة.

قال ابن بدران الحنبلي ت 1346هـ : " كل مذهب لا يخلو من كتاب فيه منظوم، وقد يذكر الفقهاء كثيرا من الشروط أو الواجبات أو السنن أو الآداب أو المسائل الفقهية منظومة،  ولم يذكروها كذلك إلا ترغيبا للطالب في حفظها ...")1(.

وقال محمد النابغة الغلاوي ت 1245هـ :

وإنمـا رغبتُ في النظـامِ        لأنه أحظى لدى المـرامِ

وهو الذي تصغي له العقولُ    وسيف من حصّله مسلولُ (2)

وقد جاء في الشرع فضائل عديدة معلقة على الحفظ فلا تنال تلك الفضائل ولا يعدّ الرجل من أهلها إلا بتحصيل صفة الحفظ .

وتأكيداً لمبدأ الحفظ نجد حافظ القرآن الكريم له فضائل في ميزان الشرع يستحق أن يُغبط عليها، كما قال صلى الله عليه وسلم : " لا حسد إلا في اثنتين, رجل آتاه الله الكتاب فهو يقوم به آناء الليل والنهار, ورجل أعطاه الله مالاً فهو يتصدق به آناء الليل والنهار ")1(.

و تميزت أمة الإسلام عن غيرها من الأمم السابقة بأنها أمة تحفظ كتابها السماوي في الصدور كما تحفظه في السطور.

وقد فاق أبو هريرة -رضي الله عنه-أهل عصره بحفظ الحديث حتى صار أحفظ الصحابة له، وكان عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-يقول: " أنت أعلمنا يا أبا هريرة برسول الله صلى الله عليه وسلم وأحفظنا لحديثه ))2(، وكما قال الشافعي -رحمه الله-: " أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في عصره)3(.

وقد نظم عدد من العلماء في علم أصول الفقه قصائد شعرية ومنظومات رجزية رغبة منهم في تسهيل حفظ هذه القواعد والمسائل الأصولية  لتكون حاضرة في ذاكرة العالم والمتعلم ، ومراعاة عند الدرس والبحث الفقهي .

وقد تنوعت هذه المنظومات مابين منظومة مطولة وأخرى مختصرة بحسب تفاوت المستوى العلمي للطلبة المستهدفين بها ، وبحسب الكتب المقصودة بالنظم فمنها المختصر كالورقات، ومنها المفصل كجمع الجوامع ، مع أن بعض العلماء لم يعتمد كتاباً معيناً في نظمه، وإنما اختار عدداً من المسائل الأصولية المبثوثة في كتب الأصول، وعقدها في سلك النظم كما تعقد حبات اللؤلؤ في سلك واحد .

ولم أجد في بحوث العلماء والمختصين بحثا يعرف بهذه المنظومات ويدرسها ويبين مقاصد مؤلفيها وطريقتهم ، ولعل ذلك من آثار الزهد والانصراف عن مثل هذا النوع من التأليف نظرا لطبيعة المناهج التعليمية المعاصرة التي تركز - غالباً- على الفهم وتزهد في الحفظ.

وأقرب البحوث لهذا الموضوع هو بحث ( ظاهرة نظم المتون الفقهية أسبابها وآثارها في الفقه الإسلامي ) للدكتور عبد المجيد محمود صلاحين وهو بحث منشور في مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الكويت –العدد 58 رجب 1425هـ- سبتمبر 2004م.

وهو بحث جيد قد اطلعت عليه بعدما شارفت الانتهاء من البحث ، وقد استفدت منه في بعض المسائل ، وعلى الرغم من الاشتراك مع بحثي في دراسة جانب النظم لكنه يختلف عنه من ناحية المجال فهو يبحث في المجال الفقهي وأنا أبحث في المجال  الأصولي ، ولا يضيرنا أننا اختلفنا في بعض الآراء والنتائج والمباحث المشتركة فلم يزل أمر الناس على ذلك.

وحيث إن هذه المنظومات تمثل جزءا من التراث الأصولي الذي يستحق الدرس والمناقشة العلمية والتقويم المنهجي ببيان محاسنها ومساوئها - لاسيما أن هناك مدارس علمية محترمة في عالمنا اليوم لا تزال تعتمد هذا الأسلوب في التكوين العلمي والدراسة الأصولية والفقهية كما في بلاد موريتانيا والمغرب والحجاز ومصر- رأيت نفسي راغبة في كتابة بحث مختصر يدرس جدوى هذا الأسلوب وتاريخه ويجمع هذه المنظومات من بطون الكتب ويعرف بها وبمقاصد مؤلفيها ومناهجهم – حسب المعلومات المتوافرة لدي - مما سيعين الراغبين في دراسة الأصول لاختيار الكتاب المناسب لمستواهم العلمي وبيئتهم الثقافية ، ومعرفة أسرار هذه الكتب ومناهجها.

آمل أن يكون هذا البحث إضافة جديدة في خدمة علم الأصول بدراسة هذا النوع من المؤلفات الأصوليـة، ولا أزعم الاستقصاء ولا أدعي الكمال ولكن حسبي الإشارة إلى الموضوع وتمهيد الطريق لبحوث أكثر عمقا وأوسع مادة وأدق تفصيلا .

وقد رأيت من المناسب تقسيم البحث كما يلي :

1-     مقدمة فيها بيان مكانة علم الأصول وثمراته الجليلة، وأهمية الحفظ في التكوين العلمي، مع بيان خطة البحث ومنهجه.

2-  المبحث الأول في التعريف بالنظم الأصولي.

3-  المبحث الثاني في نشأة ظاهرة النظم وأسبابها ونقدها.

4-  المبحث الثالث في ظاهرة النظم الأصولي.

5-  المبحث الرابع في التعريف بأهم المنظومات الأصولية.

6-  خاتمة وفيها أهم النتائج والتوصيات.

وقد اعتمدت في بحثي على المنهج الاستقرائي والتحليلي في عرض الموضوع، لأنه الأليق بطبيعة القضايا التي تعرض لها البحث، والله ولي التوفيق .


)1( الرسالة 509 والقياس والاجتهاد بمعنى واحد عند الشافعي كما في الرسالة 477.

)2( أي أخذ طرفا منه ، يقال لكل من أخذ طرفا من العلم واستدل به على البعض الآخر شاد ، وهكذا في كل قليل من كثير . انظر: القاموس المحيط 1675 – المصباح المنير 117.

)3(هي إظهار الفقيه للحكم الشرعي بلا إلزام ، وقيل : بيان حكم المسألة. 

انظر: مطالب أولي النهى 6/437 – التعريفات للجرجاني 32- فتح الباري 8/265

)4( الفحوى في اللغة هو: معنى الكلام ولحنه . انظر : القاموس المحيط1702 – المصباح المنير 196

)1( أي الباقلاني.

)2( التلخيص للجويني 3/457.

)3(  الإقلال في اللغة هو: الحمل والرفع ، تقول أقللت الشيء أي حملته ورفعته ومنه القلّة وهي الجرة الكبيرة لأن الرجل القوي يقلّها أي يحملها . انظر: القاموس المحيط 1356 – المصباح المنير 196.

)4(  البحر المحيط 1/12.

)5(  قواطع الأدلة 1/18.

)6(  التمهيد 4/390.

)7( نهاية الوصول 8/3831.

)1( المدخل 483.

(2) القصيدة الطليحية 59.

)1(  رواه البخاري برقم (5025) و مسلم برقم( 815)

)2(  رواه ابن سعد في الطبقات 2/363.

)3(  انظر : فتح الباري – دار المعرفة 1/214- تدريب الراوي 2/217 – معرفة السنن للبيهقي 1/310 – تاريخ دمشق لابن عساكر – دار الفكر- 67/341 – سير أعلام النبلاء 2/599 – الإصابة لابن حجر – دار الجيل7/433.

Downloads

Download data is not yet available.

##plugins.themes.bootstrap3.article.details##

Section
دراسات اسلامية